هل صحح رئيس الحكومة الإسباني موقفه من قضية الصحراء الغربية؟
من المستبعد أن يتغير موقف إسبانيا من قضية الصحراء الغربية، أو تعود العلاقات مع الجزائر إلى سابق عهدها، في ظل بقاء رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، في الحكم.
لقى رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها 78، أكد فيه تأييد بلاده حلا لقضية الصحراء الغربية في إطار مواثيق الأمم المتحدة.وقال “تؤيد إسبانيا حلا سياسيا مقبولا بين الطرفين في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن”.وأضاف أن إسبانيا ستستمر في دعم اللاجئين الصحراويين، مثلما دأبت على ذلك، ولا زالت تتصدر ترتيب البلدان المانحة لمخيمات اللاجئين الصحراويين.وكان سانتشيز قد أجرى في مارس 2022، تحول جذري في موقف بلاده من قضية الصحراء الغربية، عندما بعث “رسالة” إلى ملك المغرب محمد السادس يؤيد فيها مقترح الحكم الذاتي المغربي “كأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل هذا النزاع” في الصحراء الغربية.وقد لقى هذا الموقف رفضاً قوياً من مختلف القوى السياسية في إسبانيا؛ إذا عتبرته انحرافا عن الموقف التقليدي لبلادها وخروج عن الشرعية الدولية، و المسؤولية التاريخية والقانونية لإسبانيا تجاه الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة.و تسبب هذا الموقف في توتر العلاقات مع الجزائر التي استدعت سفيرها من مدريد للتشاور، وعينته لاحقاً سفيراً في فرنسا. كما علقت الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع مدريد المبرمة منذ أكتوبر 2002.ولا زالت العلاقات بين البلدين تمر بأسوأ احوالها بسبب تحول موقف سانتشيز من قضية الصحراء .الغربية، وتبني موقف المغرب للحكم الذاتيالتناقض في إدارة الأزمةلم يطرأ أي تغير على خطاب سانتشيز في الجمعية العامة للأمم المتحدة إزاء قضية الصحراء الغربية، مقارنة بالسنة الماضية.من الواضح أن قواعد اللعبة السياسية في الهيئات الأممية تتطلب من إسبانيا التمسك بمبادئ الأمم المتحدة والالتزام بقرارات الشرعية الدولية. إظهار موقفاً مخالفا لذلك، قد يظهرها دولة مارقة عن الشرعية الدولية.يتناقض الموقف الذي عبر عنه سانشيز أمام الجمعية العامة بدعم “حل متوافق عليه” في إطار قرارات الأمم المتحدة، مع الموقف الذي تبناه في مارس 2022، عندما انحاز إلى الموقف المغربي بدعمه مقترح الحكم الذاتي، كحل وحيد غير متوافق عليه.ولتفادي أن يثير خطابه، العام الفارط، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، غضب الرباط، أدلى وزير خارجيته خوسي مانويل الباريس بتصريح لأوروبا بريس، قال فيه إن موقف إسبانيا لم يخرج عن الإتفاق المبرم مع المغرب و”خارطة الطريق” التي توصل لها البلدان.والحقيقة أنه منذ الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2018، غير سانتشيز من اللهجة والموقف الذي كانت تعبر عنه إسبانيا في الأمم المتحدة، بخصوص الصحراء الغربية، بما في ذلك مفهوم “تقرير المصير” و “شعب الصحراء الغربية”.قال سانتشيز فى الدورة 73 للجمعية العامة “تؤيد إسبانيا {…} حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يضمن حق تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، في إطار أحكام ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة”.اللهجة الجديدة التي أصبح يعتمدها سانتشيز في خطاباته هي التشديد على “مركزية الأمم المتحدة” و “حل متوافق عليه”. ويمكن القول إنه منذ 2019 إلى غاية 2024، لم يغير سانتشيز اللهجة بخصوص الصحراء الغربية فحسب، بل غير موقف بلاده كليا بدعم الحكم الذاتي.وعلى الرغم من أن خطاب سانتشيز لم يخرج عن المألوف هذه السنة، إلا أن الملفت للانتباه هو أنه بعد إنتهاء سانتشيز من خطابه أمام الجمعية العامة، أجرى الباريس ندوة صحفية بنيويورك، قال فيها أن “خارطة الطريق” المتفق عليها مع المغرب جاري الالتزام بها. وهو تكرار لنفس سيناريو العام الماضي.من الواضح أن رئيس الوزراء سانتشيز ووزير خارجيته ألباريس متفقان على تبادل الأدوار في إدارة الأزمة المستعصية، بخصوص قضية الصحراء الغربية.يحرص سانتشيز أن لا تضرر سمعة إسبانيا أمام الهيئات الأممية، بخروجها عن مواثيقا، ويسعى الباريس أن لا يثير ذلك غضب الرباط بالتأكيد على “خارطة الطريق”.رهينة سياسيةأثبتت التحقيقات الجارية أن بيدرو سانتشيز قد لا يكون حرر رسالة إلى ملك المغرب التي جرى فيها تغيير موقف بلاده من قضية الصحراء الغربية، مع أنه أقر أمام البرلمان الإسباني أنه بعث بها.وقد طالبت هيئة الشفافية من الحكومة الإسبانية الكشف عن محتوى الرسالة، إلا أن هذه الأخيرة لم تستجب لذلك، لأن الرسالة غير موجودة في الارشيف.وأقرت مديرة قسم التنسيق التقني والقضائي برئاسة المونكلولا، بياتريس بيريز رودريغيز، أن المونكلوا لا تعرف من، أو كيف، أو حتى متى، أُرسلت الرسالة الشهيرة.وأمام ضغط هيئة الشفافية التي رفضت رئاسة المونكلوا الاستجابة لها، لمدة سنة، اعترفت هي الأخرى، في أخر المطاف، شهر يوليو الماضي، أنه على “مستوى الرئاسة لا توجد وثيقة تثبت الوسيلة أو تاريخ بعث الرسالة إلى ملك المغرب”، ولا “السلطة أو المسؤول الذي أمر بذلك، أو قام بإرسالها”.هذا المعطى يؤكد فرضية أن الرسالة حررت في الرباط ،وتم إرغام بيدرو سانشيز على تبنيها كموقف لبلاده الجديد.وكانت صحيفة الغارديان أشارت في ماي 2022، أن المغرب يتجسس على هواتف مسؤولين إسبان من بينهم رئيس الوزراء سانتشيز ووزير الداخلية ، مرلاسكا، و وزيرة الدفاع روبلز. وقد تم تنزيل ما يقارب 2.6 جيغا من هاتف سانتشيز، ما يعادل 15000 وثيقة.ولا يستبعد أن يكون سانتشيز خاضع لعملية ابتزاز من قبل الرباط، تجعل من الصعب الخروج من تحت عباءتها، لأن ذلك قد يدفع المغرب إلى تسريب معلومات سرية عنه، تطيح به من السلطة، أو تدفع به إلى المحاكم.وفي ظل هذا الوضع، من الراجح جداً أن لا يتغير موقف إسبانيا من قضية الصحراء الغربية، أو تعود العلاقات مع الجزائر إلى سابق عهدها، في ظل بقاء سانتشيز في الحكم.وسيستمر سانتشيز وألباريس في تصريف الأزمة المترتبة عن الموقف من الصحراء الغربية، سواء في الأمم المتحدة، أو هيئات دولية أخرى، بالإدلاء بتصريحات متناقضة، حسب ما تتطلبه المرحلة.وفي ظل الأزمة التي تعيشها حكومة بيدرو سانتشيز التي فقدت التوازن في علاقاتها مع محيطها المغاربي، قد تجد صعوبة بالغة في تصحيح الموقف، بشكل يضمن لها مصالحها مع جميع الأطراف.ومن غير المستبعد أن تواجه أي حكومة إسبانية جديدة صعوبات في الحفاظ على التوازن في العلاقات بين الجزائر والمغرب، ما دامت الرباط ترى في الموقف المتوازن إضرارا بمصالحها.أصبح عنوان المرحلة الجديدة بالنسبة للرباط، بعد استئناف الحرب في الصحراء الغربية، هي إما أن تكون معي أو ضدي. ولم يُخفى ذلك ملك المغرب محمد السادس عندما قال في خطابه إن مسألة “الصحراء” هي المنظار الذي يقيس به نجاعة العلاقات مع الدول.
بلة لحبيب أبريكة