نقطـــة نظــام : الصمت تواطؤ و التجربة على المحك!
إن المتابع لبعض الخطوات والمبادرات تفكيرا وتدبيرا للإرتقاء بالتجربة الوطنية أو الحيلولة بينها وبين المخاطر المحدقة يجدها تتارجح بين الخجل والإرتجال أو حتى الإنعدام رغم كثرة الأصوات المتعالية هنا وهناك!!! فلقد هيمن على المشهد الكارثي (في بعض القطاعات) منطق اللامبالاة، موبوءا بالأخيلة والحلم والوعود والسراب!! والصمت في ظل هذه الحالة تواطؤ مخز ومذل . ومن هنا انبرت المقاربات التحليلية عرضا وكتابة في الكثير من المواقع بين النقد والتشريح والإشادة والتهليل..
وهذا الإختلاف لا الخلاف في النظرة للامور مستساغ ومحبذ لأنه على أنقاض التناقض يحدث التغيير بداهة ..
فهل نحن في مستوى إدارة هذا الجدل؟ وهل الساحة مؤهلة لإستيعاب مثل هذا النقاش، والنحو هذا المنحى والانخراط فيه عن وعي وتدبر؟ أم أننا لا زلنا حبيسي النظرة التقليدية للاشياء ؟
إن الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع هي أن الجمهور الصحراوي غير متعود على هذه الأجواء ، وعلى التفاعل مع وسائل اعلام رصينة وقوية تحسب على الاعلام المقاوم، وتمارس دور النقد البناء كظاهرة صحية ، تشخص مكمن الداء بمرونة لا تخدش الذوق العام .. في هذا السياق فرضت الكتابة نفسها على المشهد الوطني؛ وهذا بدوره يدفعنا إلى القول بأن هذا النوع من الكتابات مطلوب الآن وأكثر من أي وقت مضى ؛ وخاصة إذا كان المصدر يرفض الاصطفاف “لمعسكر” ما ، ومشهود له بالوطنية ، ويمتلك الخبرات و الرصيد الوطني والنضالي تراكميا ؛ الشيء الذي سيكون مبعثا للإطمئنان ويفتح مساحة للجدل والمثاقفة الهادفة..
إن الكتابة من هذا المنطق يا”سادتي” الكرام هي الوجع في النفوس الذي صاحبنا كشباب التحق بالثورة ، ودأب على المجاهرة بالحقيقة دون محاباة أوتزلف حرصا على عهد قطعناه على أنفسنا . فإلى متى نصمت وقد غزا الشيب المفارق في واقع’ مدلهم تحفه الظلماء”؟
إن الكتابة في المقام الأول التزام شخصي لا يخلو من المسؤولية الأخلاقية؛ وكل المعالجات والكتابات الصحفية قبل أن تكون تحديدا للمفاهيم والتصورات أو عملا “إستعراضيا” هي بحث في ثنايا الظواهر والأحداث ؛ لكنها ليست مسرحا للعرض المجاني غير المقيد لانها مشمولة بأعراف وقوانين تتحرز في إيذاء الحقيقة/ الآخر مادام الهم الجماعي هو القاسم المشترك ، والغاية هي تمثل التطلعات الواقعية للخروج من المازق/ الظاهرة ودراسة كيفية التفاعل مع الجمهور المستهدف وسبل التواصل معه، و كيفية إقناعه وإقحامه في المعترك ، ومعرفة الفروق القائمة في مكوناته حسب المستويات الفكرية والمعرفية والتجارب المتراكمة عبر الخطاب المناسب ..
إن كل المقاربات التي لا تتحرى الدقة في الطرح والصدق في القراءة للامور والظواهر، والهادفية في المقاصد سيكون مئالها الفشل وفقدان المصداقية..
تلك هي القراءة الموضوعية التي تسعى لملامسة عقل المتلقي لإقناعه بوجاهة الطرح في الحدود الدنيا عبر تحليل علمي يستحضر كل عناصر المادة من معطيات، وعلاقاتها البينية للخروج بخلاصات معينة ؛ وهي شرط أساسي يمنح الخطاب ميزة الاستقطاب والاقناع والمتابعة.
إننا إذن أمام ظاهرة معقدة تتداخل فيها الكثير من العوامل المؤثرة بين الذات والمحيط والتخريج ؛ وهو ما سيسم النص بملمح خاص وفرادة مميزة كفيلة بتصوير الواقع وتحديد الظواهر المستهدفة ومعالم التوجهات المستقبلية؛ فكلما شخصنا الأحداث تشخيصا دقيقا وبحثنا في منشئها وعلاقاتها وملامحها وامتداداتها وتوقعنا مئالاتها بمعزل عن الإسقاط المتعمد و”النزوات” الذاتية وتقصينا دقة المعلومات ؛ كلما كان التحليل موفقا لإقناع فئات عريضة من القراء..وليس من الضرورة الحصول على الإجماع بل بالعكس فالكتابة التي لاتحدث تفاعلاوجدلا في الاوساط بؤس وفشل للخطاب التواصلي ؛ فلن تحظى قطعا بالمتابعة المطلوبة والمحاججة ورد الفعل… فالأحداث هي التي تفرض ذاتها ، و المواضيع والقضايا المختارة مخاض أزمة راهنة . إنها إنعكاس لإكراهات معينة أو انشغالات محددة إستأثرت باهتمام الرأي العام فأحدثت “جلبة” في الاوساط . والانشغالات تتفاوت حسب مساسها للمصالح الفردية والجماعية لكن الشان العام يحتوي وبشكل متداخل همومنا وانشغالاتنا وتطلعاتنا ؛ خاصة الهموم المشتركة التي تجعلنا قلقين من اللحظة تحت وقع الحيرة والقلق والترقب والبحث للخروج من ترسبات وتبعات الوضع الراهن…
يعزف البعض عن “المغامرة” تجنبا للمحاذير والرفض والاستهجان ولكن مبادرة كهذه لانتوقع منها صكوك الإشادة والعرفان من بعض الدوائر المحافظة والعناصرالحاملة ل”معول الهدم” لكل إبداع خارق للمالوف أيا كان مصدره تحت ذريعة مخالفته للنمط الذي اصبح عرفا للتباهي والمزايدة !! ومع ذلك لاضير فنحن نعي أن دعاة الثبوتية يرفضون كل ما من شأنه إحداث التغيير المنشود لفائدة تجربتنا الوطنية بمنطق الوصاية والإستعلاء!!..
فما احوجنا اليوم جميعا للعمل سويا، ودون خلفيات للتفاعل مع تلك الانشغالات التي باتت مطلبا جماعيا ملحا للنهوض من كبوتنا-إن اقررنا بذلك- وهذا يتطلب إسهام الجميع من ساسة ومفكرين ومثقفين ومهتمين ..فالتجربة على المحك!!
م. النعمة علي سالم