محمد عبد العزيز، تجربة تعلو برصيدها فوق مآخذ ومآرب رفاق
– محمد عبد العزيز مقاتل و رجل ميداني عملي برغماتي، رزين متشبع بقيم و تقاليد المجتمع، قائد بإحساس إنساني رفيع وهبه الله ملكة الصبر و الكياسة و قوة الذاكرة.
أنتخب و لم يكن عضوا في اللجنة التنفيذية آنذاك، لخلافة الشهيد الولي مصطفى السيد، القائد المؤسس الملهم، المحرك و القاطرة بديناميكيته و رؤيته النافذة الذي أمّن لشعبنا عبور مراحل التأسيس الوعرة و النجاة بعد ذلك من كماشة التقسيم و الغزو الوحشي وحرب الابادة.
أنتخب محمد عبد العزيز، وهو القادم من الخطوط الأمامية الساخنة، في ظروف معقدة جدا و استثنائية جدا، ليجد نفسه أمام امتحان عسير متمثلا في أن عليه تأكيد ذاته و انتزاع الجدارة بقوة الفعل الميداني، فضلا عن ما منحته صناديق الاقتراع من شرعية و ثقة، و الفرق شاسع.
قدر له أن يكون خلفا لقائد من عيار الشهيد الولي، و رغم وقع الفاجعة وتاثيرات الصدمة ومفاجأة الحدث، بدا واثقا بنفسه، ثقة مستمدة من المؤتمر الشعبي العام الذي انتخبه باجماع و مبعثها أن الخيار وقع عليه ليكون القائد الوريث Heredero للمؤسس و المؤتمن لمواصلة المسيرة.
مسؤولية جسيمة
أظن أن تلك المقولة التاريخية التي اختار الشهيد الولي مفرداتها بعناية فائقة كانت ماثلة في أذهان محمد عبد العزيز “بسم الله وبعون من الله ووفاء لتضحيات شعبنا…” اعتمدها حاسما وِجهته، جاعلا من جبهات القتال أولويته و الحقل الذي منه وفيه يؤكد ذاته و يرفع التحدي. وقد كان موفقا في خياره خاصة وأن الارث الذي ترك له الشهيد الولي ثريا و غنيا: الأسس و المحددات الفلسفية، السياسية، التنظيمية و حتى تلك المتعلقة بالحرب و القاطرة وضعت على السكة وانطلقت.
و اذا كان عنوان المرحلة هو هجمة الشهيد الولي فإن الفكرة تعني الانتقال من مرحلة الدفاع الايجابي الى مرحلة الهجوم، و تعني نقلة نوعية و مفصلية في الحرب: توسيع رقعتها و نقلها الى عقر دار العدو، ذلكم هو ما كرس له محمد عبد العزيز جهده و وقته للارتقاء بالجيش من حيث الهيكلة و الانتشار و التسليح و التكوين و الابداع في الخطط و التأقلم و التكيف مع التطورات الميدانية المتلاحقة و المتسارعة و ما تستوجبه من حكمة و ذكاء و اقتصاد في القوى و الوسائل (خاصة البشرية منها) في وجه عدو مدعوم من الحلف الأطلسي و ممول من دول البترودولار و معتمد على خبرة و تجارب الكيان الصهيوني.
و يسجل لمحمد عبد العزيز مرافقته و اشرافه الميداني خلال كل مراحل التحضير بما فيها الاستطلاع و أثناء التنفيذ و ساعات التقييم و عند استخلاص التجارب و ابراز الأنقاص وصولا الى التعويض و الاستكمال و فورا و بالتشاور المألوف عنده “سُنة حميدة” يتم انتقاء الهدف اللاحق و يشرع في سلسلة الخطوات العملية لبلوغه.
و ماهي الا سنوات قليلة حتى ارتقى الجيش الى أعلى درجات الاستعداد القتالي و الفعالية الميدانية مجسدا كل ذلك في روائع وبطولات ومآثر خارقة للعادة: بدءا بهجمة الشهيد الولي مرورا بهجمة الرئيس الراحل هواري بومدين ثم هجمة المغرب العربي الكبير وصولا الى التجربة الفريدة – حرب الإستنزاف – و هي في مجملها مسيرة خالدة أقبرت و الى الأبد عوامل تفوق العدو القتالية والسيكولوجية و انتزع عبرها جيش التحرير الشعبي الصحراوي عناصر التفوق و أوراق الحسم.
و في سياق متصل بالحضور و المشاركة الميدانية كان محمد عبد العزيز مشاركا باستمرار في مختلف الحملات الشعبية كغيره من المناضلين بما فيها حملات النظافة بكل تواضع ونكران الذات.
فمن منا لا يتذكر حضوره كل يوم خميس لحملات النظافة رغم حالته الصحية المتدهورة.
يُشهد لمحمد عبد العزيز الرفق بالضعيف و صلة الرحم و زياراته المتواصلة لكبار السن و للشيوخ و الجرحى و المرضى و لمراكز الوقاية والامراض العقلية وغيرها، مجسدا بذلك أعلى درجات الحس الانساني الذي يشّرف القادة في نظر المجتمع و يرفع درجاتهم.
دأب محمد عبد العزيز على التواصل كل ما أتيحت له فرصة مع شخصيات وطنية: مجاهدين، مقاومين، شيوخ، ونشطاء سياسيين من المدن المحتلة ونَهل واستفاد مِن مَا تختزن ذاكرة كل واحد منهم من معلومات عن التاريخ والجغرافيا والمجتمع وغيرها وأخذ من عندهم المشورة و الرأي و النصح الناضج.
وكان محمد عبد العزيز يقدّر حال جماهير شعبنا في اللجوء ووقع تأثيرات العوز وقساوة الطبيعة وتداعيات الفرقة والشتات الأسري ومعاناة الأهالي في المناطف المحتلة، يؤلمه ذلك كثيرا، ماجعله يبحث ويشجع كل السياسات والمبادرات التي من شأنها تشجيع المساهمة وزرع الثقة في النصر وتحسين ظروف المعيشة والتخفيف من وطأة وقساوة العوامل الاخرى.
متحليا بنظرة بعيدة الأمد، وبحكم أن الحرب حرب أجيال، طويلة الأمد، تُحسم لصالح من يمتلك الجبهة الداخلية المتماسكة والطرف الذي استثمر الوقت لبناء قوته.
كان رحمه الله يولي اهتماما خاصا لنمو مقدرات المجتمع و بالتكوين واكتساب العلم والمعرفة في كل وجميع مجالات الحياة: عسكرية، مدنية …
وبموازاة مع تعزيز عوامل الصمود جعل من الجبهات التالية أولوية وخصها بالجهد والامكانيات المتاحة: المناطق المحتلة، المناطق المحررة، حقوق الانسان، الثروات الطبيعية والاعلام. واعتبرها أوراق ضغط وفرص متاحة في انتظار أن تتوفر شروط النقلة النوعية المرتقبة من جديد.
كان محمد عبد العزيز شديد الحرص على حماية وترسيخ وصيانة الوحدة الوطنية، واتخذ في هذا المجال مبادرات شجاعة في مجال حقوق الانسان وأخرى اتجاه الأسرى والمعتقلين المفرج عنهم من طرف العدو، كما استثمر عمليات تحديد الهوية وتبادل الزيارات لمد جسور التواصل، فضلا عن اهتمامه الدائم بالجاليات بالخارج و الدول المجاورة وعيا منه بأهميتها السياسية و الاعلامية و باعتبارها رافد و دعامة للجبهة في كل المراحل.
تمكن محمد عبد العزيز بفضل خبرته وحكمته من احتواء وتجاوز جل الخلافات الداخلية عبر التشاور والحوار ومعالجة مسبباتها أيّ كان نوعها، وكان موفق في ما اتخذ من تدابير ومواقف لاستعادة ثقة واسترجاع أطر وشخصيات، لم يكن يحبذ أساليب التهميش أو الاقصاء أو أي شكل من أشكال الاكراه والتعسف، ولم يكن يزعجه أو يحرجه تعدد المرشحين للمهام القيادية في أي من هيئات الجبهة أو مؤسساتها أو منظماتها الجماهيرية، شرطه الأساسي أن يكون ذلك في اطار هيئة وطنية وتنظيمية.
و لم تكن العقود التي قاد خلالها محمد عبد العزيز مسيرة شعبنا خالية من الاخفاقات و الانقاص و العثرات، فالكمال لله و لله وحده، الا انه كان يحسن الإصغاء و يستمع باهتمام و عناية و رحابة صدر و يأخذ على محمل الجد النقد وما ينقل له من أخطاء و أنقاص و مناحي ضعف و تظلمات و يعالجها قدر المستطاع.
بقلم : إبراهيم محمد محمود (اكريكاو)