لماذا يخاف المخزن من المساعدات الجزائرية؟
يواصل نظام المخزن المغربي، رغم حجم الكارثة التي ضربت شعب المغرب الشقيق، وأودت بحياة ما لا يقل عن 2500 شخص، تجاهله لعروض المساعدة التي بادرت بها الجزائر، لمساعدة وإنقاذ الشعب المغربي الشقيق من محنته الكبيرة التي يمر بها، دون إعطاء أي مبرر لهذا الرفض والتجاهل الغريب، على الرغم من أنه أثبت عجزه الفاضح في مواجهة هذه المأساة، حيث ترك أبناء شعبه يواجهون مصيرهم بأنفسهم، في أوضاع كارثية وصلت إلى حد اضطرار أهالي الضحايا إلى نقل موتاهم على ظهور الحمير.
ورغم أن المخزن رخص إلى بعض الدول لتقديم المساعدة مثل قطر والامارات وبريطانيا وحتى دولة الكيان الصهيوني، بل وبادر بنفسه إلى طلب المساعدة من إسبانيا، إلا أنه وبعكس ما كان متوقعا اعتمادا على سياسة اليد الممدودة التي ظل يروجها المخزن مع الجزائر، رفض هذه المرة رغم حجم الكارثة، قبول المساعدات الجزائرية، التي عبرت الدولة الجزائرية عن استعدادها لتقديمها، على الرغم من أن المساعدات الجزائرية المقترحة هي مساعدات ضخمة، علاوة على إمكانية إيصالها بسرعة إلى الضحايا لقرب المسافة الجغرافية بين البلدين.
وأدى هذا الموقف المخزني الغريب، المعادي لشعبه أولا قبل أن يكون معاديا للجزائر، إلى حالة من السخط في أوساط المتضررين من الزلزال المدمر، خاصة وأن حجم المأساة يزداد بمرور الوقت، وتزداد معها حاجة أسر الضحايا لتقديم يد المساعدة سواء لانتشال المتوفين من تحت الأنقاض، أو الحصول على ما يسد رمقهم من الأكل والمشرب، أو إيجاد ملجأ يبيتون فيه في ظل غياب تام للسلطات المخزنية بداية من الملك إلى كل أعضاء الحكومة المغربية.
لماذا يخاف المخزن من المساعدات الجزائرية؟
وكانت الجزائر التي بادرت منذ الساعات الأولى بتقديم تعازيها الصادقة للشعب المغربي الشقيق في محنته هذه، قد قررت فتح أجوائها المغلقة منذ أكثر من سنتين في وجه المساعدات الإنسانية، وعبرت عن استعدادها الكامل لتقديم ما يلزم من مساعدات إنسانية لفائدة ضحايا الزلزال في المغرب في حال طلبت السلطات المغربية منها ذلك.
إلا أن صمت السلطات المغربية ورفضها الرد على العرض الجزائري، دفع الجزائر مرة أخرى، وأمام هول الفاجعة ورؤية الشعب المغربي يستغيث من أجل النجدة، دفع الجزائر مجددا عبر وزارة الخارجية الجزائرية، إلى تقديم عرض جديد مفصل لمخطط طارئ للمساعدات اللوجيستية والمادية في حال قبول المملكة المغربية لهذه المساعدات، ممثلة في فريق تدخل للحماية المدنية متكون من 80 عونا متخصصا، في عمليات البحث تحت الأنقاض، والإغاثة، والمساعدة الطبية والإنسانية والإسعافات الأولية والخيم والأفرشة.
لكن السلطات المغربية، قابلت مجددا هذا العرض الجزائري الإنساني المفصل، بالتجاهل مرة أخرى، دون مراعاة لأواصر الجيرة والأخوة بين الشعبين الشقيقين في مثل هذه الظروف الإنسانية غير المرتبطة بالمناكفات السياسية، الأمر الذي دفع المراقبين وحتى جزء كبير من الشعب المغربي إلى التساؤل عن أسباب هذا الرفض المخزني للمساعدات الجزائرية تحديدا، رغم قوتها وإمكانية وصولها السريع إلى المتضررين لقرب المسافة الجغرافية.
ويبدو أن المخزن الذي لعب كثيرا على سياسة “اليد الممدودة” مع الجزائر في إطار الخطابات الفارغة، قد وجد نفسه هذه المرة أمام تحد صعب، من شأنه أن يهدم مجمل سياساته الكاذبة تجاه الجزائر، الهادفة إلى تصوير الجزائر بلدا عدوا، إضافة إلى استراتيجية إشعال الفتنة بين الشعبين الجزائري والمغربي، كما تريد الدوائر الصهيونية داخل القصر الملكي.
والواضح أن قبول المخزن للمساعدات الجزائرية، لم يكن فقط لينهي هذه الاستراتيجية العدائية بين الشعبين الشقيقين، وإنما من شأنه كما يتصور المخزن أن يفضح أكاذيب المخزن الذي ما فتئ يروجها حول قوته وبنيته التحتية، وهو ما يفسر إحجامه ليس فقط على فتح الأبواب أمام الفرق والمساعدات الجزائرية، وإنما منعه حتى المساعدات الدولية من دول أخرى، يعتقد أنها ستكشف أكاذيبه في حال اصطدمت بحقيقة بنيته التحتية الطينية الهشة.
كما من شأن قبول المخزن المساعدات الجزائرية واستقبال فرق الإنقاذ الجزائرية، أن تظهر للعالم الفروق الشاسعة بين فرق التدخل الجزائرية ونظيرتها المغربية، حيث تعرف الفرقة الجزائرية المقترحة للذهاب إلى المغرب، التابعة للحماية المدنية الوطنية بكونها واحدة من أبرز الفرق العالمية كفاءة، في عمليات الإنقاذ والتحري، وهو ما أثبتته عمليات في الكثير من الكوارث العالمية، حيث احتلت المرتبة الأولى من حيث عدد حالات الإنقاذ من تحت الأنقاض في زلزالي تركيا وسوريا الأخيرين.
مساعدات من الكيان الصهيوني
والمثير للاستغراب في الموقف المخزني حيال تعامله مع كارثة بهذا الحجم، أنه لم يتوقف عند حدود رفض المساعدات الجزائرية وحدها، وإنما منع حتى المساعدات الدولية بمختلف أشكالها على شعبه، في مقابل السماح بطرق ملتوية للمساعدات الصهيونية لتصل إلى المغرب.
وكانت منظمة إغاثة بلا حدود، قد تحدثت على لسان مؤسسها أرنو فريس لقناة فرنسا الدولية، عن حصار حقيقي تمارسه السلطات المغربية ضد فرق الإنقاذ العالمية، مشيرا إلى وجود أزيد من مائة فريق للأمم المتحدة أبدت استعدادها للتدخل في المغرب، إلا أن السلطات المغربية تواصل منع وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة.
وفي المقابل، تصل فرق إنقاذ “إسرائيلية” إلى بعض المناطق المتضررة في المغرب على غرار مراكش، كما أظهرته الكثير من الصور المتداولة عبر المواقع، إلا أن المخزن لا يتكلم عن الموضوع، خوفا من ردود فعل المغاربة على ما يبدو.
ورغم عدم حديث المخزن عن مشاركة إسرائيلية رسمية في عمليات الإنقاذ والمساعدة، إلا أن مصادر إعلامية إسرائيلية أكدت مشاركة الصهاينة في عمليات الإنقاذ في المغرب، حيث كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أرسلت، الأحد، فريقا إلى المغرب لمساعدة الإسرائيليين الذين كانوا يتواجدون في المغرب خلال وقوع الزلزال، والذين يقدر عددهم بالمئات، بعضهم تم فقدان الاتصال بهم بعد الزلزال.
كما تؤكد بعض التقارير على وصول الصهاينة إلى المغرب ولو عبر منظمات إسرائيلية غير حكومية، مثل منظمة “ناتان” للطوارئ التطوعية، بعدما هاتف وزير الأمن في الكيان يوآف غالانت نظيره المغربي عبد اللطيف لودي في أعقاب الزلزال، ليبلغه عن إصداره تعليماته للجيش الإسرائيلي بإرسال وفد للمساعدة في عمليات الإنقاذ وتقديم المساعدات الإنسانية في المنطقة المتضررة.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد وجه الوزارات والقوات المختلفة لتقديم المساعدات إلى المغرب، بما في ذلك الإعداد لإرسال فريق إنقاذ إلى منطقة الزلزال، وهو ما أكدته وزارة الصحة الإسرائيلية أيضا، والتي أعلنت بدورها استعدادها لإرسال فريق إلى جانب قوات الجيش، يضم أطباء وممرضين ومعدات طبية من أجل المساعدة في علاج ضحايا الزلزال في المغرب.
وكانت الخارجية الإسرائيلية قد سربت خبر إرسالها لفريق بحث من أجل “العثور” على السياح الإسرائيليين الذين كانوا داخل المغرب في أثناء الزلزال، من أجل نقلهم إلى الدار البيضاء وبعدها إعادتهم الى “إسرائيل”.
جثث تنقل فوق الحمير والمخزن غائب
تحدث كل هذه المأساة في المغرب، مع منع المساعدات الجزائرية والدولية، للوصول إلى الضحايا، في وقت يغيب فيه المخزن ملكا وحكومة، عن مواساة الشعب المنكوب، حيث تؤكد التقارير الواردة من المغرب، عدم ظهور أي مسؤول لا وزير ولا رئيس حكومة في عين المكان إلى جانب المتضررين، بسبب تعليمات عليا خوفا من غضب الشعب، بل إن واجب العزاء للشعب المغربي في مصابه الجلل، تأخر من طرف رئيس الحكومة عزيز أخنوش حتى بعد تقديم جميع زعماء العالم تعازيهم للشعب المغربي.
ولعل أبشع صور المأساة التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية باعتبارها فضيحة من العيار الثقيل ضد نظام المخزن، علاوة على صور البنيات الطينية التي تبدو قادمة من القرون الوسطى، هي اضطرار المواطنين إلى نقل جثث موتاهم فوق ظهور الحمير والدواب، في ظل غياب سيارات الإسعافات والحماية المدنية، بل وانعدام الطرقات المعبدة وانقطاع الكثير من القرى النائية عن العالم الخارجي تماما، الأمر الذي اضطر معه أيضا المتضررون إلى دفن موتاهم في مقابر جماعية بعد أن شارفت على التعفن على غرار ما حصل في منطقة تاروودنت، بالرغم من رفض المخزن الترخيص لهم بالدفن، وتهديدهم بعدم منحهم شهادات الوفاة.
وقد كشفت المأساة إلى جانب ذلك، بقاء أعداد كبيرة من الجثث تحت الأنقاض دون أن يبحث عنها أحد، رغم مرور أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، الأمر الذي يهدد بكارثة صحية على غرار ما حصل في قرى ومدن أمرزكان (إيغيل) وسيدي بو عثمان وعداسيل، أداسيل في إقليم شيشاوة ضمن جهة مراكش آسفي، التي أبيدت عن بكرة أبيها، بعد انتشار الروائح الكريهة من تلك الجثث، وبقاء الآلاف من السكان مشردين في العراء من حولها، بلا ماء ولا طعام، ولا خيم للإيواء.
تحرير:حسان زهار-الاخبارية