قائد المجموعة التي أسرت العقيد المغربي (العابدي عبد السلام)، وسائقه يرويان تفاصيل تلك اللحظات المثيرة من عملية (أم الدگن) التاريخية.
تحريف التاريخ، على اعتباره إرث مشترك، يتلف الذاكرة الجماعية، ويتسبب ب(كفر) بالحقائق عبر الأجيال، خاصة، تاريخ الملاحم التي تطلبت تضحيات بالروح، وسخاء بالدم والعرق، وليس بتبني الفرضيات.
خمسة وثلاثون سنة فترة كانت كافية لتحيط قصة أسر العقيد المغربي، المثير للجدل:(العابدي عبد السلام)، ثم موته بعد ذلك بساعات، إثر عملية (أم الدگن) التاريخية في 16 سبتمبر عام 1988؛بغموض تاريخي. لكن. تبقى مسؤولية رواية وكتابة التاريخ، و الحفاظ عليه، وحمايته من السطو والتحريف، مسؤولية كل من استطاع إلى ذلك سبيلا.
فمن يكون العقيد العابدي عبد السلام؟ وكيف تم أسره، وموته بعد ذلك بعد أن فشلت كل محاولات إسعافه على يد أمهر الأطباء العسكريين، الميدانيين، يقودهم الدكتور (عثمان ولد الكنتاوي)، بما أن بقائه حيا كان يخدم مصلحة الصحراويين ؟
وكيف تم نبش القبر بعد فترة وجيزة من دفن الجثة ونقلها إلى (الرابوني)، وكيف رفض الحسن الثاني، ملك المغرب، إستقبال جثة العقيد القتيل، على يد الصليب الأحمر الدولي، في محاولة منه لتغييب أي صلة (للبوليساريو) بمسألة قتله في سياق سياسة التنكر لوجود حرب تدور في الصحراء الغربية مع أهلها؟
العقيد (العابدي عبد السلام)،هو قائد الفيلق الثالث للمشاة الميكانيكية، أي (الراجمة الثالثة)،التي تشكلت عام 1982،إثر سلسلة من الهزائم العسكرية المتتالية مني بها الفيلق السادس للمشاة الميكانيكية (الراجمة السادسة) التي كان يقودها الكولونيل (محمد الغجدامي) وكان العابدي نائبا له.
وعندما شاع لقب (السيزيام ريح)،بين الجنود المغاربة، نظرا لتعمد وصولها متأخرة إلى أرض المعركة و تفاديها الصدام المباشر مع المقاتلين الصحراويين ، صدر أمر من قيادة الجيش المغربي بتشكيل الراجمة الثالثة، كبديل عنها في العمل على مستوى القطاع العملياتي الجنوبي تحت إمرة العقيد العابدي عبد السلام، قبل أن تشهد، هي الأخرى، نهاية مذلة على يد هؤلاء المقاتلين، انتهت بأسر قائدها مع ستة من معاونيه بالإضافة إلى أسر 24 جندي وضابط صف، ومقتل أزيد من 200 جندي من صفوفها ، في السادس عشر من سبتمبر، من العام 1988،في موقعة (أم الدگن) الشهيرة.
بدأت العملية في ساعات الفجر الأولى عندما تعامل فيلقان احدهما للمشاة، والآخر محمول ميكانيكيا، بالإضافة إلى فوج مدفعية تابعة جميعها للقطاع الجنوبي في جيش التحرير الشعبي الصحراوي: النواحي:(الأولى، الثالثة، السابعة)؛ مع عدة قواعد مغربية في الحزام الدفاعي الذي تحتمي به القوات المغربية في منطقة ذات تضاريس رملية وصخرية وعرة، تسمى: أم الدگن والتي تشكل الجزء الجنوبي من منطقة (أم ادريگة) ،حيث تمكنت وحدات الهندسة العسكرية من فتح ثلاث ثغرات تفصل بين الواحدة منها عن الأخرى، عدة كيلومترات، قبل أن تتدخل الراجمة المغربية الثالثة من أجل تقديم النجدة للقواعد التي استهدفها الهجوم، كما كان منتظرا.
وحول هذه المعركة. كثر القيل والقال، على اعتبار المعركة درس من الدروس الميدانية التي كشفت عنها الحرب، حتى أن شيئا من أخبارها، خاصة، المتعلقة بموت قائد الراجمة المغربية، لم يبق على حاله!!
ومن هذا المقام بالذات. أنا سعيد بنقل تفاصيل أهم جزئية في هذه العملية، وهي أسر قائد الراجمة المغربية، المهاجمة، مع ستة من مساعديه، على لسان قائد المجموعة التي تمكنت من مطاردة سيارة العقيد، الهارب من أرض المعركة، على مسافة عدة كيلومترات، ثم إطلاق النار على عجلاتها الخلفية، حيث كانت المفاجأة، عندما قدم النقيب (الرگراگي عبد الهادي)،الذي كان يقود السيارة، قائده (العابدي) الجريح، المدد على الأرض، للمجموعة، والذي طلب بدوره نقله للقاء قائد الناحية الثالثة: (أيوب لحبيب).
المقاتل، البطل (البلال ولد ديدي)،قائد فصيلة من الكتيبة الأولي، من الناحية الثالثة، يروى لنا كيف أن أيوب لحبيب، كلفه مع ستة من رفاقه، بعيد عبور الحزام، بمهمة التمسك بمرتفعات صغيرة تقع إلى جهة الشمال من مكان الثغرة التي عبرت من خلالها أسراب آليات الناحية، تبعد بمسافة ستة كيلومترات، أو يزيد قليلا، وكانت المجموعة محمولة على متن سيارتين، الأولى:(تويوتا) تحمل رشاش ثنائي المواسير من عيار 14,5 ملم، وكانت قد فقدت إحدى عجلاتها أثناء عملية عبور الحزام، ثم سيارة (لاند روفر)، تحمل رشاش أحادي الفوهة من نفس العيار السابق.
كانت المهمة تقتضي التبليغ، بشكل مبكر، عن وصول نجدة مغربية أخرى كان يتوقع وصولها من بلدة (بئر انزران) القريبة، قبل أن تتحول هذه المهمة، وبشكل مفاجئ، وغير متوقع، إلى أهم حدث شهدته تلك المعركة، أثر رؤية أفراد المجموعة لسيارة مجهولة الهوية، تسير وسط الظلام، وهي تفر من ارض المعركة باتجاه الشمال الشرقي.
و أريد الإشارة هنا إلى أن النقيب (الرگراگي)، الجريح على الذراع، والذي يعاني -وقتها- من ألم في الفك السفلي، والذي ينتمي لمنطقة الريف، وكان يتحدث الاسبانية بطلاقة، ولغة عربية لا تخفي اصله الريفي؛ قال: (لا أعرف شيئا عن التفاصيل؛ لأننا أصبنا مع وصولنا قبل أن نقع في الأسر… كان هناك خطأ فادح في تقدير المسافة التي تفصلنا عن الحزام، الى جانب التهور الذي دفع بعض الوحدات إلى إشعال مصابيح السيارات و كأنهم ذاهبون إلى حفلة، رغم أننا فعلنا أقصى ما بوسعنا لتجنب كشف تواجدنا بالمنطقة وقد كنا متأكدين من أن سرايا استطلاع الجبهة لا تعلم شيئا عن دخولنا المنطقة لأننا سلكنا خلال الأيام السابقة طريق بعيد عن الكشف عندما أبلغت الوحدات الأمامية، المتواجدة في الحزام، عن تحركات غير عادية، في قطاع أم أدريگة”.
وعن رأيه في الحرب، بصورة عامة، قال: “أعتقد أن الحرب ستتوقف في غضون سنة على الأبعد.. أبنى ذلك على فقدان نصف هذه الراجمة – بحسب ما سمعته من المقاتلين الصحراويين – ومع أنني لا امتلك تفاصيل دقيقة عن حجم الخسائر الحقيقية التي لحقت بوحدات الفيلق المغربي الثالث؛ فإن اتوقع نهاية وشيكة للأعمال القتالية في ظل صعوبة تعويض خسارة وحدات مجربة و عالية التدريب”.
وهذه أسماء المجموعة التي تولت عملية أسر العقيد ومعاونيه، وتسليمهم لقائد الناحية.
طاقم السيارة الأولي، وهم:
البلال ولد ديدي، معطلا ولد عثمان (المفيد)، الشهيد عثمان ولد سيديا.
طاقم السيارة الثانية، وهم:
بوجمعة ولد إبراهيم، أمبيريك، محمد
المقاتل البلاد ولد ديدي، ورفيقه معطلا ولد عثمان الملقب ( المفيد) يرويان لنا التفاصيل الكاملة، لهذا الحدث العظيم، بنبرة هجومية، مشحونة بروح القتالية العالية.