على روضة مقاتل صحراوي من نوع خاص: إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا
هنا في غرب العالم العربي وعلى الحدود الموريتانية الصحراوية؛ ومنذ ثمانية وأربعين عاما امتشق الشاب الصحراوي اباعالي حمودي بندقيته ضد الإسبان ليحرر أرضه منضويا تحت لواء جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)
ثم مالبث أن وجد نفسه في حرب ضد المسلمين المغاربة والموريتانيين؛ فقاتل وقوتل وجرح وانتُشل وهادن وبقي في حالة استنفار.
وتدرج في مواطن الثقة حتى صار قياديا كبيرا في البوليساريو وعضو أمانتها الوطنية وقائدا ميدانيا للناحية العسكرية السادسة التي تتولى أمن مخيمات اللاجئين وتغطي الحدود بين الصحراء الغربية والمملكة المغربية والجزائر.
خلال مسيرته العسكرية والنضالية الطويلة دفاعا عن أرض أجداده حارب ابا اعلي حمودي ثلاث دول واصطبر وقف إطلاق نار على مضض لستة عشر عاما؛ ودفن رفاق السلاح.
يقول خلصاؤه إنه رفض مؤخرا التفرغ للعلاج من مرض مزمن إيثارا لمبادئه وتمسكا ببندقيته وجنوده.
في كل شبر من جسده شظية من رصاصة أو جرح من قصف أو عملية جراحية ميدانية. حتى بطنه وظهره لم يسلما من التدخلات الجراحية المعقدة؛ لكن هذا الأسد الصحراوي الباسل لم يستسلم للحظات الوهن وعاديات الزمن.
أعلنت البوليساريو الحداد على روحه بعد أن سقط على الأراضي الصحراوية الخاضعة للبوليساريو بقصف من طيران مغربي مسير؛ والراجح أنه قاد لتوه عملية عسكرية ضد أهداف عسكرية مغربية.
كانت جنازته مع رفاقه مهيبة وعارمة في المراقد المؤقتة لشهداء الشعب الصحراوي في المنفى.
رحيله كان توقيعا على سخونة في وطيس أكثر حرب مكتومة عبر تاريخ المنطقة.
حيث يندر -إن لم ينعدم- ذكرها في الإعلام المغربي والعربي عموما. ولا تتكتم البوليساريو على أتونها على الاقل في بعدها البشري.
جنازة ابا اعلي ورفاقه كانت متزامنة مع زيارة وفد أمريكي إلى البوليساريو؛ حيث يريد الأمريكيون ظاهريا دعم جهود المبعوث الشخصي للأمم المتحدة والحؤول دون إرغامه على الاستقالة كما حدث لأسلافه في المهمة؛ لكنهم يريدون أن يحلوا كدولة كبرى محل الأمم المتحدة؛ في حين أن الصحراويين يتمسكون بمظلة الفعل الأممي حتى لا تنطمس الأبعاد الدولية للصراع فتندمل مكاسبهم.
قد يشكل السقوط الأسطوري لهذا القائد الصحراوي الفذ ابا اعلي حمودي ورفاقه؛ منعطفا على صعيد الفاجعة الصحراوية.
فالقادة الصحراويون الميدانيون على الجبهات يخوضون حربا ضد جيش مغربي مسلح تسليحا عاليا ويتمترس خلف دفاعات نائية نسبيا عن معظم القوة الصاروخية الصحراوية إلا ماكان تم إطلاقه من قريب أو أحدث إصابة مباشرة وهو ما اتوقع أن يكون حدث مع ابا اعلي ورفاقه الذين من بينهم قائد ميداني برتبة قائد كتيبة. خصوصا أن الجيش المغربي ظل منذ ال867 يوما الماضية أي منذ نفمبر 2020 تاريخ صدور البيان العسكري الصحراوي رقم 001 في حالة دفاع.
من أهم رسائل رحيل الرجل -الكتيبة اباعلي حمودي أن حربا حقيقية مكتومة يديرها المقاتل الصحراوي لخلق ديناميكية سياسية في هذا النزاع الخمسيني قد تكون بدأت بالفعل.
كما أن البوليساريو أثبتت بترجل قائد ميداني بهذا الحجم أنها تقاتل باستماتة عصية على التشكيك.
أن ابا اعلي حمودي الذي ترك أزيد من عشرة أطفال أيتاما حطم مقولة إن الولد مجبنة مبخلة.
والرسالة الأخيرة أن هذا الرجل الأسطورة الذي ترجل ودفن بهذه الصورة السيريالية؛ لن نرى له ذكرا على الشبكات الإخبارية العالمية؛ لأنه لاجئ صحراوي تأنقت روحه وجسده بقصيدة تحرر لم تعد مستساغة لدى مداجن صنع السياسة الدولية اليوم. وتعاني قضيته وقضية شعبه من صدود دولي مدبر.
فليرقد الشهيد ابا اعلي ورفاقه بسلام وتعازي لكل قلب أو كأس شاي صحراوي يرنو إلى الخلود بشموخ.
بقلم :إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا