عزلة المغرب المتفاقمة بين حلفاءه التقليديين
هناك إجماع بين الدبلوماسيين المغاربة الحاليين والمتقاعدين أن حالة الدبلوماسية المغربية وصلت إلى أسوأ حالاتها منذ الإستقلال.
استقبل ملك المغرب محمد السادس، يومس أمس، عدداً من السفراء الأجانب، الذين كانوا ينتظرون منذ شهور تقديم أوراق اعتمادهم، كسفراء مفوضين فوق العادة لدولهم في المغرب.
والملاحظ أن سفيري فرنسا كريستوف لكورتي، وسفير الولايات المتحدة الأمريكية يونيت تالوار، لم يكونا من بين قائمة السفراء الذين وجهت لهم دعوة.
ويعزى بعض المراقبين عدم دعوة السفير الفرنسي إلى توتر العلاقات بين الرباط وباريس، التي فاقم منها تصريح وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، من أن العاهل المغربي محمد السادس جدد الدعوة للرئيس ماكرون لزيارة المغرب. وفسر ذلك في الرباط على أنه إلحاح من الملك، يجابه تجاهل من قبل ماكرون.
وتكمن جذور الأزمة بين البلدين في رغبة الرباط أن تعترف لها باريس بالسيادة على الصحراء الغربية، مثل ما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ويرى المغرب أنه لو كانت فرنسا سارت في هذا المنحى، من شأن ذلك أن يشجع دول أوروبية أخرى داخل الإتحاد الأوروبي على تبني نفس النهج. ولا ترى الرباط أية مبررات لباريس، كحليف تقليدي، أن تتخلف عن الزخم الذي خلقته اإدارة ترامب لحسم النزاع لصالح الرباط.
رفض فرنسا الإنخراط في “زخم الرباط” جاء مدفوعاً بعدة إعتبارات من بينها أن الإعتراف بالسيادة للمغرب على الصحراء الغربية مخالف للقانون الدولي، ويضر بصورة فرنسا الخارجية، ويؤثرعلي ما تراه علاقات متوازنة تريد أن تحافظ عليها بين الجزائر والمغرب.
ينضاف إلى ذلك استياء باريس من تجسس المغرب علي الرئيس الفرنسي ماكرون ومسؤولين آخرين عبر برنامج بيغاسوس.
قد لا تكون دعوة المغرب السفير الفرنسي لتقديم أوراق اعتماده مستغربة، فقد حاصرت الرباط السفير الإسباني، ولم تستدعيه لحضور النشاطات التي كانت تقوم بها وزارة الخارجية، عندما اندلعت الأزمة بين البلدين إبتداء من أبريل 2021. عدم دعوة السفير الأمريكي الذي وصل الرباط في نوفمبر 2022، هو ما يثير أكثر من علامات إستفهام .
ويطرح التساؤل ما إذا كان عدم دعوته مؤشر كذلك على توتر في العلاقات بين الرباط وواشنطن. فمثلما رفضت السلطات المغربية تلقي المساعدات من فرنسا على إثر الزلزال الذي ضرب المغرب مؤخرا، لم تستجب كذلك لعرض الولايات المتحدة الأمريكية تقديم العون.
من غير المستبعد أن تكون زيارة الوفد الأمريكي بقيادة نائب مساعد وزير الخارجية، جوشوا هاريس، إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، ولقاء قيادة البوليساريو خلف استياء في الرباط.
لا يخفى أن تلك الخطوة تعتبر تحول في موقف الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بإدارة ترامب التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. يؤشر ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف للمغرب بالسيادة، وفي ذات الوقت، تعترف بجبهة البوليساريو كطرف معني.
ولا يبدو أن الرباط تنظر بعين الرضا لضغوطات إدارة الديمقراطيين سواءً ما تعلق منها بضرورة قبول المبعوث الشخصي للأمين العام ستفان ديمستورا في أكتوبر 2021، أو السماح له بزيارته المدن المحتلة من الصحراء الغربية ولقاء بالنشطاء الصحراويين، بعدما رفض المغرب تلك الزيارة في يوليو 2022.
من الواضح أن تكون الرباط تنظر إلى تقارب واشنطن مع الجزائر وجفاء باريس، موشر على تخليهم عن الدفاعهم عن حليف مثل المغرب. ويطرح التساؤل ما إذا كان تصرف الرباط بعدم دعوة سفراء بلدين مؤثرين، أعضاء في مجلس الأمن، خطوة سياسية صائبة أم تهور سياسي.
لقد أظهر تغيب شخصيات من الحكومة المغربية عن حضور أشغال إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها، 78، أنه ربما يكون تعبير عن استياء الرباط، لكن قد لا يبدو واضحاً ما إذا كانت الرسالة موجهة للأمم المتحدة أم الولايات المتحدة أم لجهات أخرى.
تساور المغرب هواجس كبيرة قبل اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء الغربية، المرتقب نهاية هذا الشهر، بشأن ما إذا كان اتجاه الأمور يصب في صالح الخصوم، وأنه يتعين على المغرب أن يتحمل مزيد من الضغط من واشنطن بضرورة التنازل بخصوص قضية الصحراء الغربية.
في ظل غياب داعمين يمكن التعويل عليهم داخل مجلس الأمن، قد يدخل تجمع حشود من القوات المغربية في منطقة القلتة في إطار محاولة الضغط على مجلس الأمن من أن الأمور قابلة للانفجار في المنطقة، وقد تخرج عن السيطرة.
ومن الراجح ان يكون المغزى من ذلك نقل قوات المينورسو تلك التحركات، بحيث تجعل مجلس الأمن يتوخى الحذر في أي قرارات قد يتبناها لا تصب في صالح الرباط.
نقلت صحيفة الواشنطن بوست، مند بضعة شهور، أن هناك إجماع بين الدبلوماسيين المغاربة الحاليين والمتقاعدين، ونظرائهم في العواصم الغربية، أن أداء الدبلوماسية المغربية وصل إلى أسوأ حالاته منذ الإستقلال، خاصة عندما أصبحت المصالح المغربية معرضة لخسارة دعم أقدم وأقوى حليفين لها: الولايات المتحدة وفرنسا