تقدير موقف المركز الصحراوي للدراسات الإستراتيجية حول “هدم منازل الصحراويين بضواحي المدن المحتلة”
الدلالات السياسية والمآلات عرفت عمليات هدم منازل وبنايات الصحراويين بضواحي المدن المحتلة تصاعدًا متسارعًا منذ سنة 2021، متزامنة مع تغييرات في مقاربة الاحتلال المغربي في تعامله مع الصحراويين.
حيث تؤكد هذه الزيادة في عمليات الهدم على أنّ هنالك تصعيدا “مغربيا” موجه لهدم منازل وبنايات الصحراويين، يرجع لعوامل مختلفة، أبرزها سياسة الاحتلال الحالية التي تراهن على إلغاء الصحراويين وتهميشهم وإقصاءهم بمن فيهم من كانو يدعمون طرحه.
يناقش تقدير موقف المركز الصحراوي للدراسات الإستراتيجية، واقع عمليات الهدم في ضواحي المدن المحتلة في ظل تزايدها، وتداعيات ذلك على الصحراويين، كما ويسلط الضوء على ذرائع الهدم “المغربية”، وطرق تنفيذها، وجهات التنفيذ، ومواقف سلطات الاحتلال والمنظمات الحقوقية الصحراوية.
أولا: حصيلة جزئية لعمليات الهدم: تبين الإحصائيات منذ بداية عام 2021 تصاعداً في عمليات الهدم التي ينفذها الاحتلال بضواحي المدن المحتلة، والتي تطال منازل وبنايات الصحراويين، فقد بلغ مجموع عمليات الهدم شهر فبراير 2024 ما يقارب 60 منزل ومبنى بساحل مدينة العيون المحتلة لوحدها، فيما بلغ عدد البنايات والمنازل التي تم هدمها بضواحي مدينة بالسمارة والوديان المتاخمة لها إلى 18بناية ومنزل وحضيرة مواشي ، بتاريخ 24 أكتوبر 2023، وفي 17 فبراير 2022 تم ترحيل المدنيين الصحراويين قسرا من حقولهم الفلاحية، وهدم منازلهم و حرق الخيام بضواحي العاصمة العيون المحتلة و السمارة المحتلة.
ثانيا: ذرائع الهدم: بدأت سلطات الاحتلال المغربي بسياسة الهدم بضواحي المدن المحتلة من الصحراء الغربية، بهدف خنق الصحراويين ومنعهم من خلق أماكن بديلة، ولو بشكل مؤقت، عن واقع المدن التي أصبح الصحراويين لا يمثلون فيها نسبة 3 ٪ بعد أن اعتمدت دولة الاحتلال المغربي سياسة استيطانية كبيرة تضاعفت فيها أعداد المستوطنين المغاربة عشرات المرات، وهيمنتهم على كل مناحي الحياة من اقتصاد وإدارة وسكن وشغل، وتوفير لهم كل الشروط والامتيازات لتثبيتهم كقاعدة بشرية.
بحيث أن أغلب عناصر الأمن والدرك والقوات المساعدة وموظفي السجون والإدارات العمومية الأخرى، أصبحت حصرية على المستوطنين الذين ازدادوا بالمدن المحتلة، ويرافق ذلك سياسة التفقير والتجويع والقمع والأحكام القاسية في حق الصحراويين للتشجيع على سياسة الهجرة في اتجاه أوروبا التي ينتهجها الاحتلال بحق الشعب الصحراوي وإفراغ المنطقة من شبابها، إضافة إلى منشآت أخرى غير سكنية وتجارية، وتقترن عمليات الهدم بتقنين الحصول على تصاريح البناء، بل إنه حتى القانون المغربي الذي يمنح لما يطلق عليهم رؤساء الجماعات منح رخصة استغلال الأراضي، لكن كل ذلك يبقى صوريا أمام قرارات سلطات الاحتلال وأجهزتها القمعية، ولا تتوقف عمليات الهدم على المنازل بل تتعداها إلى هدم خيم البدو الصحراويين وحظائر المواشي بالبوادي.
ثالثا: ردود أفعال المنظمات الحقوقية الصحراوية على عمليات الهدم أدان العديد من الاطارات الحقوقية الصحراوية في مقدمتها اللجنة الصحراوية لحماية حقوق الإنسان، من خلال بيانها، استمرار عمليات الهدم في ضواحي المدن المحتلة، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، واعتبرت بأن هذه العمليات تنطوي تحت جرائم الاحتلال الهادفة إلى تهميش واقصاء الصحراويين، والدخول في مرحلة خطيرة من التضييق عليهم، ودعت المنظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التدخل والخروج من دائرة الصمت عن جرائم الاحتلال المغربي، والضغط علية وتحميله مسؤولية هذه الأعمال.
رابعا: ردود فعل الذين يرأسون مؤسسات نصبها الاحتلال المغربي “منتخبين ” لجنة حقوق الإنسان …” لخدمة أجندته الاستعمارية.
إن إدراج ردود فعل هذه الفئة ليس لأنها لها وزن لدى الصحراويين، أو أنهم قادرون على الدفاع عنهم وعن كرامتهم، بل من أجل فضحهم لانهم لم يلتزموا يوما حتى بأبسط البديهيات الإنسانية والاجتماعية من أجل الصحراويين، بل يستعملونهم وقودا لمشاريعهم الخاصة، وكانوا ولا زالوا يشكلون أدوات وظيفتهم تلميع صورة الاحتلال وتزوير الحقائق والوقائع، ودق الأسافين بين كل المدافعين عن كرامة وحقوق الصحراويين.
لم تتحدث أي جهة منهم عن هذه الوقائع، ولا يمكنهم ذلك إلا بتعليمات من قسم الشؤون الداخلية بما يسمى الولاية” DAI”.
خامسا: تداعيات استمرار دولة الاحتلال المغربي في وتيرة الهدم
أ. تعاظم التهديد الوجودي الذي يتعرض له الصحراويين بالمدن المحتلة وخصوصاً المناطق المستهدفة بالتضييق لغايات منها:
– تفريغ المناطق الساحلية والأراضي الفلاحية وحتى الرعوية، من خلال حملات التضييق التي تقودها أجهزة القمع، بمن فيهم الجيش الملكي الذي يقود كل مرة حملة طرد الصحراويين ملاك المواشي من أماكن الرعي وقتل الإبل والاغنام بالسلاح، على اعتبار أن الاحتلال يسعى إلى تنفيذ مشاريع لفائدة شركات أجنبية وأخرى بتمويل أجنبي لفرض سياسة الأمر الواقع، وإشراك العديد من الدول في شرعنة احتلاله للصحراء الغربية، وتوفير الشغل للمستوطنين المغاربة لتثبيتهم كقاعدة خلفية.
– تقليص عدد الصحراويين بضواحي المدن، وتغليب الميزان الديمغرافي لصالح المستوطنين المغاربة، وتنفيذ مخطط تقنين وجود الصحراويين بالمدن والضواحي. وكذا تحجيم تجمعات الصحراويين، وخاصة بالبوادي بعدما أصبحت البادية مقصدا للتخفيف من ضغط الاحتلال ومستوطنيه.
2. لجوء الصحراويين إلى البوادي يجهض سياسة التعايش بين الصحراويين والمستوطنين المغاربة التي يرى الاحتلال أنه حقق جزءا من أهدافها، لذلك ترى مقاربة الاحتلال أنه لا يجب أن تمنح فرصة لالتئام الصحراويين وتواصلهم وتكافلهم وتمسكهم بقيمهم وبخصوصيتهم، وبالتالي يجب أن تواصل سياسة الإمعان المغربي المباشر في تصفية وجود الصحراويين.
يرى المركز الصحراوي للدراسات الإستراتيجية إلى ضرورة رفع ملف عمليات الهدم إلى المحافل الدولية، وإلى إدراج هذا الملف في أعمالها لملاحقة الاحتلال دولياً.
هذا بالإضافة إلى القيام بتغطية إعلامية رسمية وغير رسمية لسياسة الاحتلال المغربي، واستضافة سياسيين ومختصين في القانون الدولي صحراويين وأجانب، مع العمل على تنظيم حملات شعبية في الخارج وفي مخيمات اللاجئين الصحراويين.
الخلاصة: ما يمكن قوله أنّ الاحتلال المغربي لا يتوقف عن اختلاق الذرائع، التي يحاول من خلالها تصفية القضية الصحراوية بأبعادها السياسية والإنسانية، ولتحقيق هذه الأهداف، فإنه يسعى بشكل مواز لممارساته من عمليات القمع والتدمير، إلى إنهاء وجود الغطاء المؤسسي الذي كان يمثل العنوان الأبرز منذ الاحتلال عام 1975، وهذا ما يمكن من خلاله فهم استهداف الاحتلال للهيئات والمنظمات الحقوقي الدولية، التي باتت تشكل شاهدًا حيًّا مستقلا على ممارساته، وتواطؤ بعض مواقف الدول الغربية والأمريكية مع الرواية التي يقدمها للعالم.